لا فشله هزيمة ولا فوزه انتصار
هذه خمس
ملاحظات على ما حدث فى انتخابات مدير عام اليونسكو، التى أسفرت عن خسارة
السيد فاروق حسنى وفوز المرشحة البلغارية ايرينا بوكوفا:
* الملاحظة
الأولى أن هذه من المرات النادرة التى يخوض فيها وزير مصرى تجربة انتخابية
حرة، لا مجال فيها للتلاعب أو التزوير. صحيح أن الأمر لم يخل من تربيطات
ومناورات، وهو ما يحدث فى كل انتخابات، ولكن ذلك كله يتم خارج قاعة
الاجتماع ولا علاقة له بفرز الأصوات. وهو ما لم يألفه رجال السلطة فى مصر،
الذين اعتادوا أن يخوضوا «المعارك الانتخابية» وهم مطمئنون إلى نتيجتها،
والمناسبة تثير السؤال التالى: كم واحدا منهم يمكن أن يحقق فوزه «الكاسح»
فى أى انتخابات حرة؟
* الملاحظة الثانية أن فشل السيد فاروق حسنى
لا يشكل خسارة لمصالح العرب أو المسلمين، كما أن فوزه لم يكن ليعد مكسبا
لهم. ذلك أن مدير اليونسكو يظل محكوما فى سياساته ومواقفه بحسابات ومصالح
الدول الكبرى المهيمنة. ولا ينسى أن المسلم الوحيد الذى شغل ذلك المنصب
الوزير السابق والمثقف السنغالى البارز أحمد مختار امبو الذى انتخب عام
1974. وحين اقترب الرجل من خطوط الغرب الحمراء، مثل نزع السلاح وإسرائيل
والنظام العنصرى فى جنوب أفريقيا. فإن الدول الأوروبية ناصبته العداء،
وانسحبت الولايات المتحدة من المنظمة، وقطعت تمويلها لأنشطتها. الأمر الذى
أصاب اليونسكو بالشلل وأضعف دورها، إلى أن تركها الرجل غير مأسوف عليه من
جانب العواصم الغربية، وهو ما يسوغ لى أن أقول إن نجاح صاحبنا لم يكن
ليفيد فى شىء العالم الذى ينتمى إليه، كما أن فشله لا يمثل خسارة لمصالح
ذلك العالم.
* إن قرار التنافس على منصب مدير اليونسكو لم يكن
اختيارا صائبا لأن سمعة مصر السياسية والثقافية لا تشكل رصيدا إيجابيا
يقوى مركز مرشحها ويعززه. ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن فشل السيد فاروق حسنى
ليس راجعا لكونه معاديا لإسرائيل كما قيل، ولكن من الأسباب المهمة التى
أسهمت فى الفشل أنه يمثل بلدا يصنف ضمن الدول الفاشلة سياسيا، حيث تحتكر
فيه السلطة ويحكم بقانون الطوارئ منذ أكثر من ربع قرن وتقمع فيه الحريات
العامة، وهو ما يجرح صورة مرشحها، ويجعل من انتخابه لإدارة اليونسكو
اعتداء على قيمها وإضعافا لرصيدها الأدبى والمعنوى. وهى ذاتها الأسباب
التى أدت إلى فشل الدكتور غازى القصيبى المرشح السعودى لذلك المنصب قبل
أربع سنوات، حيث قيل وقتذاك كيف يمكن أن يصبح الرجل مديرا لليونسكو وهو
يمثل بلدا يعادى الديمقراطية.
* الملاحظة الرابعة أن مصر بذلت
جهودا كبيرة لمساندة فاروق حسنى، حتى إن الرئيس مبارك تدخل بشخصه لمساندته
فضلا عن ترشيحه. وبات معلوما أنه لم يلتق رئيسا خلال العام الأخير إلا
وحدثه فى الموضوع. وهو ما أسهم فى وقوف الحكومة الفرنسية إلى جواره، وفى
تغيير الموقف الإسرائيلى الرسمى منه. وقد استمرت جهود الرئيس لمساندته
أثناء جولات التصويت، ونشر الأهرام فى 22/9 أنه أجرى اتصالا هاتفيا مع ملك
إسبانيا عبر خلاله عن تقدير مصر لموقف بلاده فى أمرين هما: قضية السلام فى
الشرق الأوسط وترشيح فاروق حسنى لليونسكو (لاحظ أن الأمرين وضعا على قدم
المساواة). وما يثير الانتباه فى هذا الصدد أن الرئاسة المصرية لم تلق
بهذا الثقل فى مواجهة ملفات أخرى مهمة داخلية وخارجية، من مكافحة الغلاء
وانهيار التعليم والبحث العلمى إلى أزمة الخبز واختلاط مياه المجارى بمياه
الشرب وصولا إلى مشكلات توزيع مياه النيل وتنقية الأجواء العربية وإنهاء
حصار غزة.
* الملاحظة الأخيرة أن السيد فاروق حسنى لم يخرج خاوى
الوفاض من المعركة، ولكنه عاد «ضحية» وكسب نقطتين من حيث لا يحتسب. إذ
اتهم بالعداء لإسرائيل وحسب عليه انتماؤه العربى والإسلامى، والحقيقة أنه
برىء من «التهمتين». إذ علنًا بذل الرجل المستحيل لكى ينفى عن نفسه التهمة
الأولى، وعمليا فإنه لم يدع حماسا لذلك يوما ما، كما أنه لم يقصر فى
محاولة استبعاد التهمة الثانية، تشهد بذلك حسابات توزيع جوائز الدولة
التقديرية للعام الحالى. لكن المرء يثاب فى الدنيا أحيانا رغم أنفه!